.
ومن الطبيعي أنّ التفكير يستطيع أن يمنحنا هذا اللّقاء بالله، وبالمعاني الخيّرة بشكلٍ أعمق وأسلوب هادئ، ينساب في الدّاخل بعيداً من ضجيج الكلمات، ليلاحق الكلمات التي تحلّق في سماء المعرفة دون صوت.
أمّا مجالات هذا التَّفكير، فلا تنحصر في مجالٍ واحد، بل تتَّسع لتشمل الأمور الّتي تقرّب للإنسان معرفة الله، وتفتح آفاقه على الكون الواسع الفسيح، حيث يجد في كلّ ظاهرة من ظواهره دليلاً على عظمة الخالق ووجوده، فيعيش الإنسان في عبادة روحيّة صامتة، تحتضن في داخلها الصّفاء والسّموّ الرّوحيّ والفكريّ في ظلال الله.
وإن من التفكر المحمود -يا عباد الله-: التأمل والتدبر في حال الدنيا، وسرعة زوالها، وعظم فتنتها، وتقلب أحداثها، وتداول أيامها، وألم المزاحَمة عليها، وما في ذلك من الغصص والأنكاد، فطالِبُها لا ينفك من هَمٍّ قبلَ حصولها، وهَمٍّ في حال الظفر بها، وحزن وغم بعد فواتها، فمن تأمل ذلك لم يتعلق قلبه بها، ونظر إلى الآخرة وإقبالها ودوامها، وما فيها من شرف الخيرات والمسرات، واجتهد في رضوان ربه، وعلم أن ما عنده خير وأبقى.