ـ وأما باللسان فأن يدعو بالويل والثبور، يا ويلاه! ومن ظن ذلك فقد أخطأ غاية الخطأ وذلك لأمرين الأمر الأول أن هذا خلاف ما أجمع عليه أهل العلم والإيمان فقد أجمعوا على أنه سبحانه فوق عرشه بائن من خلقه ليس في ذاته شئ من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شئ من ذاته وقد تقدم الكلام في تفسير قوله تعالى أأمنتم في السماء وأنه إن أريد بالسماء السماء المبنية ففي بمعنى على أي على السماء كقوله لأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل — وإن أريد بالسماء العلو كان المعنى في السماء أي في العلو والله أعلم.
.
وقوله وإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية أي ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يتفاضل بالزيادة والنقصان فتزيده الطاعة وينقص بالمعصية، ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً{ الآية 2 الأنفال وقوله تعالى } لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ { الآية 4 الفتح، وغير ذلك من الأدلة، وقوله وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج أي وأهل السنة والجماعة مع أنهم يرون أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية هم مع ذلك لا يحكمون بالكفر على من يدعى الإسلام ويتقبل الكعبة بمطلق ارتكابه المعاصي التي هي دون الشرك والكفر كما يفعله الخوارج حيث قالوا من فعل كبيرة فهو في الدنيا كافر وفي الآخرة مخلد في النار لا يخرج منها ـ فأهل السنة يرون أن الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي فالعاصي أخ لنا في الإيمان واستدل الشيخ على ذلك بقوله تعالى في آية القصاص } فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ{المعنى أن الجاني إذا عفى عنه المجني عليه أو وليه عن القصاص ورضي بأخذ المال في الدية فعلى مستحق المال أن يطلبه بالمعروف من غير عنف وعلى من عليه المال أن يؤديه إليه من غير مماطلة، ووجه الاستدلال من الآية أنه سمى القاتل أخا للمقتول مع أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب ومع هذا لم تزل معه الأخوة الإيمانية، واستدل الشيخ أيضاً بقوله تعالى } وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا { الآيتين ووجه الاستدلال من الآيتين الكريمتين أنه سماهم مؤمنين مع وجود الاقتتال والبغي بينهم وسماهم إخوة للمؤمنين بقوله فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ومعنى الآية إجمالاً انه إذا تقاتل فريقان من المسلمين فعلى المسلمين أن يسعوا في الصلح بينهم ويدعوهم إلى حكم الله، فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على الأخرى ولم تقبل الصلح كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه فإن رجعت تلك الطائفة عن بغيها وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم وتؤدي ما يجب عليها للأخرى ثم أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المقتتلتين فقال } وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ أي اعدلوا إن الله يحب العادلين ـ وقوله تعالى } إنما المؤمنون إخوة{ جملة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإصلاح ـ والمعنى أنهم يرجعون إلى أمر واحد هو الإيمان فهم إخوة في الدين } فأصلحوا بين أخويكم { يعني كل مسلمين تخاصما وتقاتلا ـ } واتقوا الله { في كل أموركم } لعلكم ترحمون { بسبب التقوى.
الشرح قوله أفضل الإيمان أي من أفضل خصاله وفي هذا دليل على أن الإيمان يتفاضل أن تعلم أن الله معك أي بعلمه واطلاعه حيثما كنت أي في أي مكان وجدت — فمن علم ذلك استوت علانيته وسريرته فهابه في كل مكان أخرجه الطبراني أبو القاسم سليمان اللخمي أحد الحفاظ المكثرين.