ولم يكن حثُّ الرسول صلى الله عليه وسلم على العفو عن الأسرى، والمنِّ عليهم أمرًا خياليًا يُجمِّل به صورة المسلمين، بل كان أمرًا واقعيًا أفرز مجموعة من المواقف يعجز المرء عن استيعاب عظمتها، وأجمل ما فيها أنها لم تكن مواقف عابرة حدثت نتيجة ظروف خاصة، أو تحت ضغوط معينة، إنما كانت منهجًا ثابتًا، وسُنَّة ماضية، وتشريعًا خالدًا استحال أن يجود الزمان بمثله.
بماذا جاء للناس وعلى أي شيء وعدهم: وجاءهم بالمعجزات العظيمات، فشَّقّ لهم القمر وأنبع لهم الماء من بين أصابعه، وسقاهم بالماء القليل وهم زهاء خمسة عشر مئة، وأطعمهم من شاة هزيلة وصاع من شعير في وكانوا ما يزيد على ألفٍ، وعَرَجَ إلى السماء وعاد بوقت يسير، فآمنوا به وصدقوه، ووعدهم بالجنة إنْ نصروه، فكان يقول من جالسه من الصحابة: يا رسولَ اللَّهِ، نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنّارِ والجنَّةِ، حتّى كأنّا رأيَ عينٍ.