وإنما كان المسئول عن هذا الانحطاط المسلمين لا الإسلام، والقراء لا الكتاب، والحملة لا المحمول، والخزنة لا المخزون، وهؤلاء هم الذين فقدوا الممالك وخسروا المجد القديم، وجنوا هذه الجناية على الشريعة الإسلامية والمبادئ القرآنية والآداب العربية والثقافة الشرقية، وجعلوا كل أولئك مسئولًا عن أمور لا مسئول فيها غير الأشخاص في الحقيقة، ولا مجرم غير الخلف الفاسد الذي أضاع الصلاة واتبع الشهوات ولقي الغي.
ورواه العوفي والحكم بن عتيبة عن ابن عباس.
وقيل: النجم هنا هو النبت الذي ليس له ساق، وهوى أي سقط على الأرض.
ولكن تشدق بهذا الكلام كثيرون من علماء الإفرنج ومؤلفيهم، وزعموا أن الإسلام والمدنية هما على طرفي نقيض، حتى قالوا: إن المدنية التي يقال لها في التاريخ «المدنية الإسلامية» لم يكن منها شيء من عمل المسلمين، وكابروا في هذه القضية المحسوس، وأنكروا بداهة الأمور، وكل هذا من أجل أنهم أدركوا أعمال هؤلاء الظلمة الخاسرين من أولياء أمور المسلمين، وساحوا في بلاد المسلمين فوجدوا الغربان تنعق في الأماكن التي كانت معمورة في القديم بملايين البشر، ووجدوا الآثار الجميلة الباقية من الماضي أشبه بواحات في وسط صحارى من القذارة والشناعة والغبرة، ووجدوا الطرقات لا يكاد السالك يسلكها من الدعارة وفقد الأمنة، ووجدوا شوارع المدن لا يقدر السائر فيها أن يسير إلَّا محولًا نظره سادًّا أنفه من كثرة ما فيها من الأوضاع والأوساخ، ووجدوا القنى مقطعة، والآبار معطلة والقصور غير مشيدة والقناطر مهدمة مبعثرة.