أديب مصري 1880-1937م حاز مكانة رفيعة رغم توقفه في سلك التعليم النظامي على الشهادة الابتدائية.
وأما بعدُ؛ فلا أرى من الإنصاف أن يعمِد الدكتور إلى جُمَل يقتضبهن من مقالي في مجلة الهلال ثم يهدفها للرد، وكان عسى أن يدفع عنها شيء مما قبلها أو ما بعدها أو يشد منها بعض جهاتها أو يأتي بها في سياق يُبِين عن معناها.
فهل رحَل عن هذا الرأي أم ظهر له في الجديد ما هو أقوى وأمتن وأصح؟ ثم يا أيها الملأ أفتوني ما هو هذا الجديد؟ أهو ذاك الخيال الشارد المجنون، أم تلك الشهوات المتوثِّبة المتلهِّفة، أم ذلك الأسلوب الفجُّ المتسوخَم، أم العامية السقيمة الملحونة؛ أم هو في الحقيقة بين رغبة في النبوع قبل أن تتمَّ الأداة وتستحكم الطريقة، كما هو شأن فريق من الكُتَّاب، فيختصرون الطريق بكلمة واحدة هي المذهب الجديد — وبين رغبة في التعصُّب للآداب الأجنبية كما هو شأنُ فريقٍ آخر — وبين رغبة في الحطِّ من قيمة بعض الناس ورميهم بالجهل والسخف وأنه لا قيمة لما يجيئون به، كل ذلك في تعبير علمي يصح أن يكون نظرية علمية … وقبلهم قالها العرب في القرآن الكريم: لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ فقد شاءوا فلم يقولوا؛ ولو أن المذهب الجديد فسَّر القرآن يومًا … لقال في معنى أساطير الأولين: إنهم أرادوا بهذا المذهب القديم … ويقول الدكتور طه: إن هناك قومًا ينصرون المذهب الجديد وليس لهم من اللغات الأجنبية وآدابها حظٌّ، وحظهم من اللغة العربية وآدابها موفور؛ ثم طلب رأيي في هؤلاء وما أصلُ مذهبهم الجديد؛ فأقول: إني أعرف بعضهم، وأعرف أن أدمغتهم لا يشبهها شيء إلا جلود بعض الكتب التي ليس فيها إلا متنٌ وشرحٌ وحاشية؛ جلد ملفوف على ورق، وورق ينطوي على قواعد محفوظة، وهم أفقر الناس إلى الرأي؛ وهذه علة حُبِّهم للأساليب الجديدة القائمة على الترجمة ونقل الآراء من الغرب إلى الشرق، وبالمعنى الصريح المكشوف: من الأدمغة المملوءة إلى الأدمغة الفارغة، وفيهم بعض أذكياء، ولكن ذكاءهم في حواسِّهم، فإن لم يكن هذا فليقولوا هم لماذا؟ ولو أنك سألتَ العنكبوتَ: ما هي الظبية الحَوْارء العَيْناء التي تطمعِينَ فيها وتنصبين لها كل هذه الأشراك والحبائل؟ لقالتْ لك: مهلًا حتى تقع فتراها! بدأ الرافعي في كتابة هذه المقالات في عام 1934 كل أسبوع بصيغة مقالة أو قصة، ليتم نشرها أسبوعياً في مجلة الرسالة تناول الكتاب مواضيع اجتماعية وأخرى عن الوصف والحب، كما فيه مواضيع توضح ما التبس من حقائق الإسلام وآدابه وخلفياته وبعض جماليات القرآن ينتزع من الدنيا حقائقها، ويرسلها ضمن نصوص صيغت بصيغة القصة التي تنزع إلى لفت نظر القارئ إلى المغزى عرض المزيد.
الآن قد حكم الأستاذ وانتقد وجزم برأيه، فنُدبَ له فلان يقول: أخطأتَ وأسأتَ وجهلت وغفلت، أو تعصَّبتَ وحططتَ في هوى صاحب اللحن؛ فمن أين جاء هذا الخلاف وكيف وقع هذا القول؟ بل كيف ساغ للثاني أن يُجهِّل الأول ويرى غير رأيه ويحكم غير حكمه، إلا إذا كان قد فهم غير فهمه فأنشأ له الفهم ذوقًا وأحدث له الذوق حكمًا وجاءت من هذه المقدمات تلك النتيجة التي نسميها النقد، وما هي في الحقيقة إلا الذوق والفهم جميعًا، فالذين يذوقون الموسيقى ويطربون لها ولا يفهمونها فقد فهموها على مقدار ما استقر في نفوسهم من أساليب التطريب وما فيهم من المطاوعة لهذه العاطفة؛ أَوَلا تراهم يقولون في أمثال هؤلاء: إن لهم آذانًا موسيقية؟ فهذه الأذن هي الفهم بعينه، لأنها حاسة اجتمعت من مران طويل، وقد تقوم في بعض الناس على جهله بالموسيقى مقام علم برأسه.