» فلم يشكَّ في أنه قتله — وكان عيسى حين أخذ عبد الله من عند المنصور دعا كاتبه يونس بن فروة وأخبره الخبر، فقال: أراد أن يقتله ثم يقتلك؛ لأنه أمر بقتله سرًّا، ثم يدعيه عليك علانية؛ فلا تقتله، ولا تدفعه إليه سرًّا أبدًا، واكتُم أمره، ففعل ذلك عيسى — فلما قدِم المنصور وضع على أعمامه مَن يُحرِّكهم على الشفاعة في أخيهم عبد الله، ففعلوا وشفعوا، فشفَّعهم وقال لعيسى: إني كنت دفعت إليك عمي وعمك ليكون في منزلك، وقد كلمني عمومتك فيه وقد صفحت عنه فائْتِنَا به، قال: يا أمير المؤمنين، ألم تأمرني بقتله فقتلتُه؟ قال: ما أمرتك؟ قال: بل أمرتني، قال: ما أمرتك إلا بحبسه وقد كذبتَ، ثم قال المنصور لعمومته: إن هذا قد أقر بقتل أخيكم، قالوا: فادفعه إلينا نقيدُه به.
وقد استعمل معهم المنصور من الفظائع ما لا طاقة للإنسان على تسطيره وكان أعظم فظائعه مع محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، وكانت نتيجة هذا الحبس الشديد أن مات أكثرهم في الحبس مع أن بني العباس ملأوا الدنيا تهويلاً ورياء بأنهم خرجوا انتقاماً من قتلة الحسين بن علين وزيد بن حسن ويحيى بن زيد وهؤلاء إنما قتلوا في ميادين القتال وهم خارجون ولم يقتل بنو أمية أحداً من آل علي بالشكل الفظيع الذي ذهب به بنو حسن في عهد بني عمهم من آل العباس.