يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله 15.
وكما قال الطيبي عن الرياء: هو من أضر غوائل النفس، وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد، والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة، فإنهم مهما قهروا نفوسهم وفطموها عن الشهوات، وصانوها عن الشبهات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة، الواقعة على الجوارح، فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير وإظهار العلم والعمل، فوجدت مخلصاً من مشقه المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ولم تقنع باطلاع الخالق تبارك وتعالى، وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمده الله وحده، فأحبت مدحهم، وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل، فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات، وأعظم الشهوات، وهو يظن أن حياته بالله تعالى وبعبادته، وإنما حياته هذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول النافذة، قد أثبت اسمه عند الله من المنافقين، وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين، وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون، ولذلك قيل: آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة.
والآخـر هـو الـشـرك الأصغر، وهو موضوع هذه المقالة، وهذا الشرك من الموضوعات المهمة التي تحتاج إلى دراسـة وافـيـة، نـظراً لخطورته وشدة وعيده، حيث خافه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-على صحابته- أكمل الأمة إيماناً - رضي الله عنهم- ولكثرة من وقع فيه من المسلمين، فلا يـكـاد أحـد ينجو منه إلا من عصم الله، وأرجو من الله تعالى التوفيق في عرض هذا الموضوع المهم الخـطـيـر للأخوة القراء، وهو جهد مقل سعى في جمع كلام أهل العلم في هذا الموضوع من خلال العناصر التالية : أولاً- تعريفه : يمكن أن نعرف الشرك الأصغر بأنه هو: ما أتى في النصوص أنه شرك ، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر 1.
ومـن الـدلالات أيضاً عـلـى الـشرك الأصغر ما فهمه الصحابة من النص، فالصحابة أعلم الأمة بمعاني نصوص الكتاب والسنة، ومثاله حديث " الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكنَّ الله يذهبه بالتوكل " رواه أحمد والترمذي.