ثُم إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعَظُمُ وَيَكْبُرُ مِنْ جِهَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ؛ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا فَلَهُ حَقُّ الْقَرَابَةِ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ، وَإِذَا كَانَ جَارًا فَإضافَةً إِلَى حَقِّهِ فِي كِبَرِ سِنِّهِ فَلَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَهُ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ حَقُّ الْإِسْلامِ، وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَالْحَقُّ أَعْظَمُ، بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَقُّ كِبَرِ السِّنِّ؛ إِذْ إِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِحِفْظِ حَقِّ الْكَبِيرِ حَتَّى مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينِ، فَهَا هُوَ الْفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْه وَأَرْضَاهُ رَأَى شَيْخًا ضَرِيرًا يهُودِيًّا، يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى النَّاسِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَرَضْتُمْ عَلِيَّ الْجِزْيَةَ وَأَنَا كَبِيرُ السِّنِّ لَا أَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ لِأُؤَدِّيَ مَا عَلَيَّ، فَلَجَأْتُ إِلَى مَدِّ يَدِي إِلَى النَّاسِ، فَرَقَّ لَهُ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَ بِإِسْقاطِ الْجِزْيَةِ عَنْه وَقَالَ: "وَاللهُ مَا أَنْصَفْنَاهُ، أَنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَهُ، ثُمَّ نَخْذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ"، وَأَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ يَهُودِيِّ كَبِيرٍ فِي السِّنِّ.
« خَلَفُوا أَبَاهُمْ»؛ أَيْ: قَامُوا مَقَامَ أَبِيهِمْ فِي حُسْنِ الْفَعَالِ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عاشرًا: الدعاءُ لهم بالعافيةِ ونيلِ الجزاءِ الحَسنِ من اللهِ، فهم يحبونَ سماعَ ذلكَ ويفرحونَ به أشدَّ الفرحِ.