قَالَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فَارِقًا لِمَا أَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ ثَابِتَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ دَعْوَى الْخَرْسَاءِ عَلَى فَرْضِ نُطْقِهَا مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ هُوَ الشُّبْهَةُ وَجَوَازُ أَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ أَبْدَتْهُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاجُ إلَى إبْدَاءِ الْفَرْقِ بَاقِيًا اهـ.
وبديهي أن أساس مسؤولية الأبوين تلك السلطة الطبيعية التي لهما على أولادهما وهي التي تفرض عليهما واجب المحافظة على سلوكهم والعناية بأفعالهم ما داموا في السن الذي لا يحسنون فيه التصرف بما فيه صالحهم وأنهم تابعون لهما في جميع المعاملات المدنية وأن لهما عليهم الإشراف المستمر الدائم فيما فيه تقويم المعوج من أخلاقهم وصرفهم عما يكون مفسدًا لآدابهم فإن أحدث الولد بعد ذلك ضررًا كان سببه تفريط الأبوين في واجب رعايته وإهمالهما مراقبة سلوكه كانا مسؤولين عن تفريطهما وإهمالهما.
قَوْلُهُ: وَبِإِكْرَاهٍ أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ السُّلْطَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ السُّلْطَانَ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَهَذَا آيَةُ الطَّوْعِ وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ السَّبَبَ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرٌ أَوْ هُوَ قِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، وَالِانْتِشَارُ دَلِيلٌ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا فِي النَّائِمِ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالْمُحْتَمَلِ، وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَيَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ بِالسُّلْطَانِ وَبِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُ شَرِّهِ بِنَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلَافِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِغَاثَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا الْخُرُوجُ بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِالسُّلْطَانِ وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتْ الْقُوَّةُ لِكُلِّ مُتَغَلِّبٍ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْمُخْتَصَرِ.
وَأَمَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ : فَأَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَتَيْنِ.