ثمَّ عاد أبو بكر إلى المدينة المنوَّرة، وفي هذه الأثناء عادت حملة أسامة بن زيد بعد سبعين يومًا من خروجهم، فأبقاه أبو بكر في المدينة حتى يستريح هو وجنده، ثمَّ جهَّز من الجيوش أحد عشر لواء تتناسب في عديدها وفي إماراتها، وفي وجهتها، مع قوَّة القبائل التي وجهها إليها ومدى إلحاحها في رِدَّتِها.
وكان أبو بكرٍ يأمر قادة الفتوحات بألا يتعرَّضوا لأماكن عبادة غير المسلمين ولا يضايقوا أهلها، كما أعطى قادته العسكريّين عدَّة توصيات أخرى لإحسان معاملة أهل الشام غير المسلمين عند فتحها؛ فقال: « يا أيُّها الناس، قِفُوا أوصِّيكم بعشرٍ فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلًا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرةً مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرُّونَ بأقوامٍ قد فَرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له».